العلمانية هي الحل: مقالات عرجاء في صحف كسيحة 3

طبعاً المدونة هنا استمرار للنقاش الساذج الدائر منذ فترة حول العلمانية والدين.. وجاء أسامة (زميل المهنة بالمناسبة) وطرح رأيه على مبدأ الأعرج الغني.. بمدونة طويلة اعتبرأنه جاء فيها مجموعة من الأفكار بغرض عرض سذاجة المفاهيم العلمانية... ووجود الحلول الظاهرة للعيان لكل بصير عليم.. ومن أجل أن لا يمر الملك مزهواً بثوبه السحري الذي لا يراه إلا الأذكياء... كان على أحدهم أن يقف ويقول: الملك لا يلبس شيئاً.. الملك لا يلبس شيئاً...ـ

هنا سأبدأ النقاش بافتراض أن تقدم جميع الدول التي اتبعت العلمانية... وبالمقابل تأخر جميع الدول الدينية على سطح هذا الكوكب هو مجرد صدفة محضة... *ـ

سألخص ماجاء من أفكار في تلك المدونة وأرد عليها من وجهة نظر أخرى...

النقطة الأولى: حاول دمج مفهومي العلمانية والمادية...

Secularism =the belief that religion should not be involved in the organization of society,education.. etc

أي أن العلمانية هي فصل الدين عن منظمات الدولة كمنظمات المجتمع أو المنظمات التعليمية.. (قاموس أوكسفورد) وحتى لا ندخل في جدل عقيم حول الترجمات وأخطائها.. نقول أن المثقفين العرب اتفقوا على كلمة العلمانية أنها تعني فصل الدين عن الدولة أي بمعنى حرية تطبيق المعتقدات الدينية للجميع دون فرضم معتقدات طرف ديني على آخر... وهي تختلف عن المادية بشكل قاطع فلا يجوز الخلط..ـ **

النقطة الثانية:

يطرح تساؤله: بما أن العلمانية هي الحل فلماذا لم تحل مشكلاتنا لحد الآن وهي:

التجزئة والتفكك ، التخلف الحضاري ، والدفاع عن الحقوق.

وبالطبع يطرح أن الإسلام هو الحل (الوحيد بالطبع حسب اعتقاد المسلمين).

وقبل أن أجيب عن هذا التساؤل.. أود أن أنوه أنني لم أعرف أية أمة يقصد.. هل نحن كعرب أو أمة المسلمين... فهو استخدم كلمة الأمة للتعبير عن الشيئين رغم أنهما مختلفان تماماً.. نعود إلى **... بكل الأحوال وبما أنه طرح وجهة النظر الإسلامية فأنا سأفترض أنه قصد بالأمة (الأمة الإسلامية)...ـ

أي أنه قصد أن المسلمين يعانون من المشاكل الثلاثة السابقة وهو افتراض غير دقيق لسببين:

1. المسلمون الأتراك مثلاً يدافعون عن حقوقهم في جميع المحافل الدولية.

2. أن مفهوم الأمة الإسلامية (وأي امة دينية بالمناسبة) مفهوم غير واقعي.. فكيف يجتمع مسلموا أندونيسيا الذين يدعون إلى الإسلام بموسيقا الرحابنة واستنساخ أغاني فيروز.. كيف يجتمعون مع التيار الآخر الذي يحرم تعليم الموسيقا..؟؟

- على صعيد التخلف.. يردد المقولة الببغائية أن الإسلام نقل الأمة من التخلف إلى الحضارة..ـ

- على صعيد التجزئة يقول المسلمين أن العرب كانو يتقاتلون لأتفه الأسباب وأن الإسلام جاء وحولهم إلى أمة.. وأنه هو الذي سيعيد وحدتها..ـ

- وأن الإسلام كان سبب قوة هذه الأمة..ـ

الرد:

أولاً: تاريخ البشرية يعود لآلاف السنين... وإذا أردنا المقارنة العادلة فلا يمكننا اقتطاع ما نريد وترك ما لانريد..

وتاريخ العرب هو أبعد من 100 سنة قبل اللإسلام.. فإذا نظرنا إلى الصورة الكلية نرى أن منجزات العرب الحضارية قبل الإسلام كانت أكبر بكثير من أن يتم تجاهلها... فالعرب هم من بنى المدينة الأولى في التاريخ (أوروك عند السومريين)، وحدائق بابل المعلقة والأهرامات مازالت من عجائب الدنيا.. دستور حمورابي والأبجدية الأولى والنوطة الموسيقية الأولى في أوغاريت... كل هؤولاء ما كانوا مسلمين...

أي أن مقولة أننا كنا قبائل متخلفة حضّرنا الإسلام مقولة قاصرة للأسف... فالشواهد الحضارية أكثر من تحصر في تدوينة ويبدو أننا نسينا سدود مملكة سبأ وأن اليمن كان يسمى اليمن السعيد قبل الإسلام. والمضحك المبكي أنه بعكس الفينيقيين الذين سيطرو على البحر المتوسط وأسسوا قواعد لهم في قبرص وصقلية وتونس آلاف السنين قبل الإسلام، ذهب خليفة المسلمين إلى إسبانيا سيراً على الأقدام حتى مضيق جبل طارق..ـ

باختصار بمقارنة نسبية المنجزات الحضارية لممالك صغيرة قبل الإسلام فاقت بكثير منجزات امبراطورية بحجم الإمبراطورية الإسلامية وبامكاناتها المادية. إن حصر تاريخ البلاد الإسلامية في عدة قبائل كانت تتصارع على المراعي.. شيء مثير للشفقة..ـ

ثانياً:

في موضوع التجزئة: إن محاولة إثبات صحة أي فكرة بأنها كاملة لا تقبل النقض لكونها وحدت البشر حولها محاولة فاشلة.. وإلا علينا أن نقبل بأن الشيوعية التي وحدت روسيا ونقلتها من التخلف إلى القوة الثانية في العالم وكونت الاتحاد السوفيتي في مدة قصيرة والتي كانت ملهماُ لملايين البشر حول العالم هي فكرة غير قابلة للنقض..ـ هذا المنطق مثير للسخرية.. ـ

ومن ثم لنفترض أن الإسلام هو الذي سيعيد وحدة الأمة.. و سأتفق معه تماما ومستعد لقبول ذلك غداً ولكن ليوضح لنا عن أي إسلام يتحدث..؟؟ هل هو إسلام أندونيسيا أم السعودية أم إيران أم أفغانستان أي إسلام هو الذي سيوحد الأمة بالضبط.. والرسول نفسه يقول أن المسلمين ثلاث وسبعون فرقة كلهم في النار وواحدة ناجية.. فعن أي وحدة يتكلم المسلمون..ـ

هذا إذا تناسينا أن امبراطورية المسلمين العظيمة لم تخلو يوما من الخلافات والحروب الداخلية السياسية والعقائدية.. مثلها مثل الإمبراطوريات الأخرى... ثم كيف كانت لتتفكك أمة المسلمين لولا أن خليفة المسلمين الذي يمجدون (هارون الرشيد) لم يستطع تمالك نفسه دون أن يتزوج من مشارق الأرض ومغاربها فاقتتل الأبناء على الخلافة وبدأت الدسائس تحاك بأياد أجنبية.. (جواباً على سؤال كيف تفككت أمة المسلمين..؟؟)..ـ علماً أن أول مرة تفككت الدولة الإسلامية هي مع قيام الدولة الأموية في الأندلس التي كانت معادية لدولة الشام أو بغداد ومنافسة لها.ولكن دولة الأندلس تفككت نفسها إلى دويلات ضعيفة.. ولا أعتقد ان العلمانية كانت سببا في ذلك أيضاً.. صححوني إن كنت مخطئاً..؟؟

ثم إذا كان الإسلام لم يستطع أن يوحد الإمبراطورية أكثر من بضع عشارت من السنين.. (ثلاثون سنة خلافة راشدية وقرابة المئة سنة مدة الخلافة الأموية ومن ثم قسمت إلى دولتين وتتابعت الإنقسامات)...ـ يبدو أن الصينين تفوقوا في ذلك وقد حافظوا على وحدة مليار وثلاثمئة مليون إنسان لمدة تجاوزت آلاف السنين.. فهل نستطيع الاستفادة من التجربة الصينية ياترى..؟؟

ونأتي إلى القوة العسكرية.. المثال الببغائي الآخر..

في العصور الوسطى كان مقياس القوة العسكرية هو قدرة الردع وومقياس الردع في تلك القرون كان عبر امكانية جمع أكبر عدد من الجنود. وتمتعت الامبراطورية الاسلامية بتلك الميزة لكنها أهدرتها في الحروب الداخلية.. ومن ثم إذا كان الإسلام سبب القوة فلماذا

هزم المسلمون امام الإسبان بعد 800 سنة أو أمام التتر والمغول... بالإضافة إلى أن وجود القوة العسكرية لا يعني صحة الفكرة الحاملة لها.. والأمثلة كثيرة.. فامبراطوريتي الفرس والروم امتلكتا القوة العسكرية قبل الإسلام.. وبعض الامبراطوريات الأخرى امتلكت في التاريخ والحاضر القوة العسكرية رغم أنها أبعد ما تكون عن الإسلام... ـ

وأعيد باختصار النقاط الثلاث :

- الإسلام لم ينقل الأمة من التخلف إلى الحضارة.. لأن اشعاع المنجزات الحضارية قبل الإسلام أسطع من أن يمس بالتكرار الببغائي.

- الإسلام لم يستطع توحيد الأمة أكثر من بضع عشرات من السنين.. في حين استطاعت أمم أخرى البقاء موحدة لآلاف السنين رغم أنها لم تعرف الإسلام.

- في مجال القوة العسكرية أعتقد أن تايلند مثلا لم تعاني الغزو أبداً خلال تاريخها الطويل واستطاعت الدفاع عن نفسها في جميع الظروف، فهل يعني ذلك أن البوذية كانت أفضل من الإسلام.. إن النقاش بهذا المنطق.. هراء لا يستحق إضاعة الوقت..ـ

نعود الآن إلى العلمانية والدول الدينية... هل يرغب المسلمون بدول دينية حقاً.. تسيّر وفق قوانين الشريعة؟؟

المضحك المبكي أنه رغم عدم اعتراف المسلمين فهم حقيقة يريدون أن يتمتعوا بمزايا العلمانية ومن ثم تطبيق مفاهيمهم الدينية على الآخرين..ـ اليوم بمجرد جلوسك للكتابة في مدونتك فأنت بدأت تتمتع بأول ثمار العلمانية... (حريتك بأن تقول ما تشاء) بعكس الوضع في الدول الدينية التي تحجب كل ما يخالفها..ـ تصور لو أن أحد المتدينين المتطرفين حكم دولة كأمريكا.. باختصار يمكنه ان يمنعكم أنتم المسلمون من أي تنفس على الشبكة الدولية.. هل هناك امكانية تقنية.. لا جدال في ذلك..ـ

أي أن الشيئ الوحيد الذي يسمح لكم بايصال صوتكم هي قوانين العلمانية التي تحاربون..ـ

العلمانية هي عامل الأمان الأول حتى لاتغرق بنا السفينة في حروب دينية ستأكل الأخضر واليابس..ـ

هل هناك مسلمون علمانيون ... بالطبع.. هم أولئك الذين فهموا أن الله لو أراد أن يخلق البشر على دين واحد لخلقهم.. ولكنه وزعهم على أديان وثقافات مختلفة.. وعليهم احترام الآخرين كما يتمنون من الآخرين احترمهم..ـ

هؤولا قد يكونون قلة كما سيتمنى البعض ولكنهم هم الصفوة..ـ

في النهاية كل عام وأنتم بخير بمناسبة عيد الأضحى أعاده الله علينا وعليكم بالخيروالبركة.

---

* لم أشأ الدخول في الأمثلة لأنها كثيرة.. ومن لديه رأي آخر فليطرح أمثلته لعلها تقنعنا أو نرد عليها.

** مهازل الترجمة واللعب على المفردات لا تنتهي وتحتاج لمدونة منفصلة. كيف يغير البعض بين الكلمات لإعطاء انطباعات معينة.