الصفحات

السبت، 16 أكتوبر 2010

يوميات يابانية -8- في مطار كنساي..ـ

حقيقة احترت في تسمية هذه التدوينة... فهي مجرد صدفة قد يكون لها معنى وقد لا يكون.. وهم مجرد أناس يمرون في حياتنا ليحفروا ذكراهم إلى الأبد... جنود مجهولون يبذلون في لحظة معينة كل ما يستطيعون من أجلك..ـ

منذ بضعة أشهر أتى والديّ لزيارتي في إجازة إلى اليابان... كان لدي بعض الخوف حول كيفية تدبرهما أمور الرحلة ذات الأربع والعشرين ساعة والتي احتوت عدة محطات /دمشق-الدوحة-أوساكا-فوكوكا/ أي كان عليهما تغيير ثلاث طائرات ضمن محطتين. في الدوحة لم يكن هناك أي مشكلة كونه مطار صغيرمتكلم بالعربية لكن ماذا عن كانساي (مطار أوساكا الدولي) حيث بالطبع لا أحد يتكلم العربية ورغم وجود من يتكلم الانكليزية بقي عليهم التفاهم مع لغة والدتي الخاصة جداً من قبيل /أي كم فيزيت يور سن فوكوكا.../ـ
في أوساكا كان عليهما تسجيل الدخول إلى اليابان.. انتظار الحقائب واللحاق بالطائرة إلى فكوكا.. من الممكن لأي طارئ أن يشكل مشكلة حقيقية لهما.. تأخر أحد الحقائب.. تغيير موعد أو بوابة الاقلاع.....إلخ....  بعثت لهم بورقة مع بعض المعلومات والجمل المهمة متمنياً أن موظفي المطار سيعتنون بهما وأن كل شيء سيسير على ما يرام..ـ

وأخيراً جاء اليوم الموعود اتصلت بهم قبل الاقلاع وبدأ العد التنازلي.. أراقب الساعة وأنتظر.. ولكن قلقي بدأ عند الظهر لابد أنهما في اليابان... هل كل شيء يسير على ما يرام يا ترى..؟؟ بعد حوالي الساعة تلقيت اتصالاً* من موظفي المطار:..ـ
ـ الموظف: السيد سومر..ـ
ـ نعم.ـ
ـ وصل والداك إلى كنساي وكل شيء بخير.. ولكننا نحتاج بعض المعلومات..؟
وهكذا أخذ جميع المعلومات المطلوبة وأكد علي وجوب انتظارهما في فكوكا..ـ

وصل الأهل وحدثاني عن مدى المساعدة التي تلقياها في مطار كنساي.. لدرجة أن إحدى الموظفات /تدعى سايا/ لازمتهما بشكل دائم طيلة ساعات الانتظار وسهلت لهما جميع الأمور.. وطلبا مني الاتصال بها وشكرها.. /كونها أعطتهما رقمها وطالبتهما بالاتصال في حال حدوث أي طارئ/..ـ اتصلت بها وشكرتها ودعوتها لزيارة المدينة عند أول فرصة..ـ


سايا لم تفوت الفرصة فأتت إلى المدينة.. وبدوري لم أوفر جهداً في تعريفها على معالم المدينة وأشهر مأكولاتها.. حتى ذلك الوقت كان يبدو كل شيء طبيعياً.. فكل ما أقوم به هو الاهتمام بالموظفة اللطيفة التي قامت بكل ما تستطيع لمساعدة والديّ في المطار... ولكن عندما بدأ حديث السفر ومطار كنساي بدأت أخبرها عن أحد الأيام التاريخية لي في هذا المطار قبل سنة ونصف..ـ



كان ذلك أحد أسوء تجارب السفر وأكثرها إثارة..ـ
بدأت بخلاف صغير حول كيلو غرام واحد زيادة في حقيبة اليد عند تسجيل الدخول في مكتب القطرية.. ورغم أنه يحق لي عشرة كيلوغرامات فائضة ورغم لباقة اليابانيين الفائقة إلا أن الموظفة ولسبب غريب كانت يومها شديدة الوقاحة /طبعاً أتكلم وفق المقاييس اليابانية/ وتتالت الأحداث لأجد نفسي وقد فقدت جواز السفر قبل نصف ساعة فقط من موعد الاقلاع.. في ذلك اليوم أيضاً وقفت إلى جانبي إحدى الموظفات وبحثت معي في كل الطابق الذي كنت أتجول فيه.. وبعد أن فقدت الأمل تقريباً جاء اشعار من مكتب المفقودات أن جوازي أصبح لديهم قبل عشر دقائق من الاقلاع.. فقامت الموظفة بتمريري عبر تفتيشات الجمارك إلى الطائرة بدون جواز ومن ثم قامت باحضار الجواز لي بنفسها إلى الطائرة..ـ
يومها أيضا فوجئت بأن المقعد ذو مسند غير قابل للحركة وشاشة الميديا الملحقة كانت غريبة الأطوار /عند السفر لعشر ساعات في متواصلة فشاشة الميديا شيء لا بد منه/ بعد فترة طلبت تغيير المقعد ولكن مرة مجددة وفي منتصف الرحلة استيقظ الياباني النائم بجانبي بشكل مفاجئ ليضرب صينية العصير التي مدتها المضيفة أمامي لنجد كلانا أنفسنا وقد تم غسلنا بما لذ وطاب... ـ ولكن في النهاية وصلت اللاذقية بحمد الله ورعايته كعلبة ألوان..ـ

بقيت ذكرى تلك الموظفة التي وقفت بجانبي في تلك اللحظة والتي بسبب تفانيها استطعت صعود الطائرة.. رغبت أن أجلب لها هدية ما..ـ أن أراها مرة أخرى لأقول كلمة شكراً لم تسعفني الظروف لقولها.. ولكن هيهات فمطار كنساي فيه مئات وقد يكون آلاف الموظفين.. كيف لي أن أراها مرة أخرى وأنا لاأعرف اسمها وحتى وجهها بقي كخيال.. قررت الاستسلام وضمها إلى قائمة الذكريات الجميلة كملاك رغبت أن أنحني وأقبل يديها ولم ولن أستطع...ـ

كنت أتحدث وأنظر في عينيها.. والنهار بدأ يسحب آخر خيوطه عن تلك الطاولة المطلة على الخليج... شعور غريب حلق في المكان..ـ هل من الممكن...؟؟ وفي مخيلتي بدأت ألبسها الطقم الكحلي مع ذلك الفولار المميز.. وكأن تساؤلاتي وصلتها، وكأنها تقرأ أفكاري نطقت..:ـ /ـ ألم نذهب يومها للبحث قرب الحمامات..../ـ

في لحظة غرقنا سوية في ما يشبه دوامة الذكريات... نعم إنها هي.. كان السؤال كيف حدث هذا..؟ لماذا...؟ كم هذا العالم صغير...ـ
الساعة كانت تشير إلى موعد القطار.. حملت صمتي... كنت أنظر في يدي الفارغتين عن هدية ما اقدمها لها وردة صغيرة أقطفها من طرف الرصيف... لكن يا لخيبتي... فقد رحل القطار...ـ

هذه التدوينة تحية إلى ملاك بعمر الورد تدعى سايا..ـ



---
ـ* في داخلي كنت متوقعاً لهذا الاتصال رغم أنه لا قانون يوجبه ولكن لصعوبة التفاهم البالغة فقد طلبت من والدي اعطاء الموظفين رقمي في حالة حدوث أي طارئ..ـ
ـ إن الاتصال بحد ذاته كان ذو قيمة معنوية كبيرة بالنسبة لي.. أولاً كونه طمأنني إلى وصول الأهل وسهّل علي انتظار الساعات الثمان الباقية.. ومن ناحية أخرى الشعور بأنهما بمجرد وصولهم لليابان ورغم عوائق اللغة فهما أصبحا في أيد أمينة..ـ

هناك تعليقان (2):

  1. ذكرت صورتين متناقضتين وجميلتين بآن واحد صورة الموظفة الفظة والموظفة اللطيفة المساعدة وبصراحة يمكن الموظف النموذجي الياباني هو الموظف اللبق اللطيف وغير ذلك يكون لديه مشاكل نفسية أو في التواصل مع المحيط وهذا بإجماع الكثيرين من يابانيين وأجانب

    فيما يخص فكرة الهدية أعرف شعورك تماما لأنه في بعض الأوقات تحدث معي عندما تريد تقديم هدية لشخص قد ساعدك بحق في اليابان ويكون الزمان والمكان غير متحققين

    في نقطة هون بتخطر على بالي وهي في حال قدمنا للياباني يلي ساعدنا هدية أليس نعلمه أن لايساعد إنسان إلا إذا أعطي شي بالمقابل يعني بصريح العبارة الرشوة والفساد يلي قرفنا في بلادنا؟!

    نقطة تانية ويلي توصلت لها في اليابان في بعض الأوقات عندما تكون لا تعرف اللغة اليابانية أفضل بكثير من أن تكون متقن لها بسبب أنك ستحصل على المساعدة وستسهل أمورك بطريقة سلسة جدا

    وأخيرة تدوينة حلوة ومشكور عليها سومر

    ردحذف
  2. أهلاً أسعد..ـ
    حقيقة جميع موظفي اليابان اللذين قابلتهم كانوا بغاية اللطافة باستثناء بعض الحوادث القليلة والمتفرقة.. وأعتقد أن تضخم المشكلة التي حدثت جاءت نتيجة الأخطاء اللغوية التي ارتكبتها أثناء النقاش مما سبب سوء فهم متبادل..ـ

    حقيقة عن الهدية فهي لا تعتبر رشوة في مثل هذه الحالة لأن القضية مر عليها زمن طويل جداً.. وقد أعود إلى من مطار كنساي وقد لا أعود.. وسايا عندما ساعدتني في المرة الأولى لم يخطر ببالها أننا سنلتقي يوماً.. أعتقد أن الهدية في مثل هذه الحالة هي للشكر ولتبيان أن مساعدتها تركت أثراً في المتلقي ـ

    النقطة الأخيرة حدثت معي منذ شهرين.. نعم عندما تكون متقننا لليابانية فأنت باللاشعور تعطي انطباعاً بأنك لا تحتاج المساعدة...وهذا من النقاط التي فاجأتني..ـ

    أهلا بك

    ردحذف