الصفحات

الجمعة، 24 سبتمبر 2010

يوميات يابانية -7- لمحة عن شرق آسيا


كتابتي لهذه التدوينة جاءت بعد الحادث البحري الأخير بين الصين واليابان... وتقرير آخر أخبرني به عقبة عن تنامي النزعة القومية لدى اليابانيين لذلك وجدت أنه من المفيد كتابة هذه التدوينة التي ستجيب عن أسئلة من قبيل ماهو نمط العلاقة اليابانية-الأمريكية وكيف يؤثر التاريخ والواقع في شرق آسيا على هذه العلاقة...؟؟
وأعتذرعن الإطالة مسبقاً...ـ

بدأت قصتي مع شرق آسيا منذ كنت أعمل في سوريا، حيث التقيت زمنها بالكثير من الخبراء اليابانيين الذين عملوا في نفس المكان... في ذلك الزمان جل ما كنت أعرفه عن اليابان ما كان يعتبر ثقافة شعبية قليل من المعلومات عن الحرب العالمية الثانية، الكاميكاز والقنبلتان النوويتان اللتين أسقطتا على هيروشيما ونغازاكي... مصحوبةً باليابان كبلد السلام والحضارة وأزهار الكرز (الساكورا)..ـ
في أحد الجلسات ويوم ذكرى هيروشيما دخلنا في نقاش مع سوزوكي أحد الخبراء الذين عملت معهم *1*... وكانت أسألتي حول رأيه في .. أمريكا ورأيه في القنبلتين النوويتين... وهنا ابتسم وقال "القنبلتان استخدمتا في سياق حرب عالمية وهما كانتا ضروريتان لإنهائها" ، "في أي حرب هناك طرف خاسر وقد خسرنا"... حقيقة فوجئت بهذا الرأي .. وخاصة أنه من الجيل الذي عايش الحرب العالمية الثانية... كيف نسي بهذه السهولة... (كان رأي أحد الحاضرين أن أمريكا غسلت دماغهم نتيجة تبعيتهم لها طول هذه الفترة..).. ولكن الخبير تابع "كنا خطرين كان من الأفضل أننا خسرنا..." تركت إجابته تساؤلات كثيرة احتاجت إلى إجابات... وبعد وصولي إلى اليابان كان لدي رغبة كبيرة بمعرفة مالذي يحدث..؟؟ كوريا الشمالية... الصين... اليابان... كانت أول شيء أثار اهتمامي.... في الفقرة التالية سأكتب لمحة تاريخية عامة عن المنطقة مبنية على تحليلي الشخصي للوقائع التاريخية لأنه لا يمكننا فصل الحاضر عن تاريخ المنطقة وصراعاتها العسكرية والثقافية... ـ


إذا عدنا آلاف السنين للوراء فقد كانت الصين هي القوة الوحيدة في شرق آسيا كأمبراطورية حقيقية ذات نتاج حضاري وعسكري فلا يخفى علينا أن الحبر والحرير خرجا من الصين بين 2500 و2700 قبل الميلاد... واللذين أسسا طريق الحرير بين الصين والإمبراطورية الرومانية... تضاف إليها الحروف الصينية التي تستعمل حتى اليوم في اليابان. ما أريد قوله هنا أن الصين في خلال تاريخها ( ولأكون دقيقاً خلال الألفي سنة الأخيرة) كانت امبراطورية مكتفية ذاتياً والحرير والزراعة شكلا مصدراً للرخاء لذلك لم تعرف الصين في تلك الفترة الغزوات الخارجية، نتيجة هذا الرخاء ظل جنود الامبراطور المسجلين اسميا يعملون كمزارعين لفترة طويلة حتى نسوا تقنيات القتال، من الجهة الأخرى كان الرخاء مصدر جذب للأعداء سواء المنغوليين من الشمال اللذين كانوا يأتون لنهب الثروات بين الفنة والأخرى ويعودون أدراجهم (استدعى ذلك بناء سور الصين العظيم لحل المشكلة) أو اليابانيين من الجنوب اللذين كانوا يأتون عبر البحر لنفس السبب.. في الجهة المقابلة كانت اليابان حتى عصر ميجي أقرب للإقطاعيات التي يديرها الشوغون بوجود امبراطور مشرف *2* يعتقد الصينيون أن اليابان كانت جزيرة خالية قبل أن يستوطنها بعض الصينيين في العصور الأولى ولذلك فاليابانيون هم من سلالة صينية... بينما معتقدات اليابانيين تقول أنهم من سلالة نقية خاصة نزلت من السماء حيث أن اليابان (أصل الشمس) والإمبراطور (تن نو أو سيد السماء)... لذلك في الثقافة اليابانية التقليدية والتفكير الموروث تدار أمور العلاقات مع الخارج على أساس نحن (اليابانيون) وهم (الغرباء).ـ

في الحقيقة رغم استخدام اليابانيين للكانجي (الأحرف الصينية) وحتى أعواد الطعام الصينية (الهاشي) فقد ظل الشعور الشوفيني مسيطراً لديهم وقد عزز ذلك عزل اليابان عن الخارج لمدة طويلة هذه النزعات الفوقية يمكن أن أشبهها بتلك التي ظهرت عند النازيين أو عند اليهود "شعب الله المختار" أو حتى عندنا "خير أمة أخرجت للناس".... ظهرت هذه الأفكار جلياً في فترة احتلال القوات اليابانية للصين عام 1937م ومذبحة نانكينغ في تلك المذبحة ظهرت بشاعة وعنصرية الشخصية اليابانية (يمكن لمن يرغب البحث أكثر إيجاد الكثير من الوثائق وحتى الأفلام عن هذه المجزرة) الصورة في الأسفل تبين رأي الجمهور الياباني فيما حدث ـ

(( في الصورة خبر عن نتائج مسابقة قتل مئة صيني بالسيف وفاز فيها كل من موكاي 106 ونودا 105 في المركز الثاني...ـ))
طبعاً يضاف إليها الجرائم التي اقترفتها القوات اليابانية بحق الكوريين والصينيين في الحرب العالمية الثانية حيث كانت تقوم المخابر اليابانية على سبيل الذكر باجراء تجارب على الأسرى (مثل وضع الأسير في الثلج وحساب الزمن اللازم لموته.. وغيرها من
التجارب الأشد فظاعة والتي لن أذكرها هنا).. بالإضافة إلى أن الكوريات كنَّ يجلبن كرهائن للجنس حتى الموت في المعتقل...ـ
إن تداعيات هذه الأحداث لن تذهب بسهولة فالذكريات ما زالت حية في قلوب وعقول الضحايا... في كوريا مثلاً تتظاهر النساء ضحايا تلك الأعمال بشكل دوري... مطالبين بالاعتذار والتعويض... وفي الصين ولأن الإنسحاب كان سريعاً بعد الحرب العالمية الثانية تركت كثير من الأمهات أطفالهن وغادرن هؤولاء بقوا في الصين ورعتهم الحكومة الصينية ولكن الحكومة اليابانية لا تعترف بهم كمواطنين مما يخلق مزيداً من التوترات والحساسيات بين الدولتين..ـ
ما أردت قوله في الفقرة السابقة أن شعوب شرق آسيا ظلت تنظر إلى الصينيين كخط دفاع أول يحميهم من الهمجية اليابانية وأعتقد أن الكثيرين يشعرون بالارتياح لصعود القوة الصينية (طبعاً باستثناء اليابانيين اللذين يخافون نقمة الامبراطورية الصاعدة)..ـ

الشيء الآخر الذي يضاف إلى ذلك أنه وبعد فترة طويلة من قيام اليابانيين بتقديس العرق الياباني.. (أكد وساعد على ذلك تربع اليابان على عرش الاقتصاد الثاني في العالم بمعنى "أننا اليابانيون استطعنا تحقيق المعجزة.. ") وإزدراء الصينيين الأعداء القدامى والأقل مرتبة *3*... وجد اليابانيون أنفسهم في المرتبة الثالثة (نعم كان ذلك متوقعاً ولكن لحظة الحقيقة صعبة..).. وهم موقنون أنه كما ان الصينيين في صعود فهم في مسار انحداري (لأسباب كثيرة تحتاج ربما لمدونة منفصلة...)... فبين الإحساس المتجذر بأنهم امبراطورية الشمس والخوف من هذا المارد الجديد الذي أزاحهم إلى الأبد، بدأوا بدق ناقوس الخطر لمحاولة إيجاد حلول سريعة قبل فوات الأوان ـ

في السابق كان اليابانييون سعيدين باعتبارهم والأمريكان يقودون العالم... لم يكن أمامهم من تجربة يمكن الاستفادة منها سوى قراءة التجربة الأمريكية التي قدسوها، هناك اعتقاد أن علاقات اليابان مع أمريكا ودراسة التجربة الأمريكية هي الطريق نحو مستقبل أفضل... لأنه بشكل أوتوماتيكي لا يجوز تقليد التجارب الأقل منهم نتائجاً.. بالإضافة للأمريكان هناك الألمان أصدقاء الحرب القدامى (بالمناسبة أنا أعتبر ألمانيا هي صورة اليابان في أوروبا...نتيجة التشابه الكبير في التجربة وطريقة الإدارة...)... ولكن فجأة برز من حفظ الدرس وطبقه مثلهم وقد يكون أفضل منهم وعليهم عاجلاً أم آجلاً التواضع والنظر إلى المرتبة الثالثة ولكن القادم الجديد الذي أزاحهم هو الذي نكلو به في الأمس القريب...ـ

في هذا الاطار تأتي الحادثة البحرية بين الصين واليابان... فهو في إطار التنافس على جزر تعتبر بالمنطق الجغرافي امتداداً للصين وهي مجرد أراضٍ بعيدة انتزعتها اليابان خلال الحقبة الاستعمارية... بينما تعتبر الصين أنها يجب أن تعلم اليابانيين أن الزمن تغير وأنها من الآن فصاعداً يجب أن تحترم قوتها الصاعدة ولا تزعج التنين الذي صبر طويلاً... لذلك نرى أن موقف كلا الدولتين كان حازماً، فرغم الإفراج الفوري عن جميع ركاب سفينة الصيد فبقاء القبطان في السجن ذو دلالة رمزية، أن اليابان قد اعتبرت الجزيرتين أرضاً يابانية وإفراجها عنه يعني أنها اعترفت ضمناً أنها لم تعد تستطيع أن تحمي تلك الجزر...ـ
من جهة أخرى الشعب الصيني الذي صبر طويلاً على اليابانيين لم يعد يطيق أكثر.. وقد هددت بعض المنظمات بتنظيم نزول جماعي للصينيين على الجزر... وهذا إن حدث سيشكل إحراجاُ كبيراً لليابان فهي لن تستطيع احتجازهم... وإذا لم تحتجزهم فالجزر ستصبح صينية بشكل أوتوماتيكي... طبعاً الصين أيضاً لن تتخلى عن الجزر لوجود النفط ولأهمية الجزر الاستراتيجية العسكرية وقربها من الأراضي الصينية... يغذي ذلك إحساس الصينيين القوميين أن الصين الصاعدة لتصبح القوة الأولى في العالم لم يعد باستطاعتها السكوت عن جرائم التاريخ في حق أجدادهم ـ

يمكننا هنا إضافة كوريا الشمالية لتكتمل الصورة... نتيجة قوتها النووية فقد عملت الصين دوماً على احتوائها واستخدام علاقتهما الوطيدة عبر الزمن لتشكل الصين الدعامة الخلفية لها في أي مواجهة، ولتلعب كوريا الشمالية دور البروكسي الصيني في مواجهة النفوذ الأمريكي-الياباني في شرق آسيا...ـ

اليابان لديها الكثير من القضايا التي مازالت عالقة مع الجيران سواء مشاكل حول الحدود مع روسيا والصين .. أو مشاكل تاريخية مع شعوب شرق آسيا... لذلك فعلاقاتها مع أمريكا تأتي ضمن الحفاظ على حليف استراتيجي في وجه التهديد الكوري الشمالي أو كعنصر قوة في مواجهة الصينيين والروس... ولذلك تشبيه علاقتهما بالسيد والعبد أو الذنب هو تشبيه فيه الكثير من التبسيط... من ناحية أخرى نعم يوجد في اليابان نزعة قومية عائدة للأذهان خاصة بعد النكسة المالية الأمريكية وانهيار أمريكا... تتلخص هذه النزعة في أن سكان الجزراليابانية الجنوبية قد عانوا كثيراً من صفاقة الجنود الأمريكيين، واليابانيون أنفسهم لم يعودوا يحتملون ما يسمى علاقة التبعية وهم الاقتصاد الثالث في العالم والقوة العسكرية النامية... من ناحية أخرى أزمة الديون اليابانية الضخمة التي رجح الخبراء انفجارها السنة القادمة بالإضافة إلى التهديدات التي تمثلها كل من كوريا الشمالية والصين الصاعدة تجعل من الصعب على اليابانيين الاستخفاف بأهمية العالاقات اليابانية-الأمريكية... بالإضافة إلى الخوف الذي أسرّ لي بعض المثقفين اليابانيين من أن هذه النزعة القومية للمحافظين اليابانيين وبدون الإشراف الأمريكي قد تودي باليابان إلى أتون صراعات عسكرية ستنزف مواردها القليلة أصلاً... ـ

في المقابل لا يمكننا تعميم هذه المقالة على عموم الشعب الياباني بمعنى آخر ليس اليابانيون نسخة واحدة وإنما يوجد فروق هائلة في طريقة التفكير بين سكان كل من الشرق والغرب أو الشمال والجنوب... كما أن الجيل الذي ربي ورضع الأمريكية وعاش في فترة الفقاعة الاقتصادية يختلف عن الجيل الذي سبقه... هناك الكثير من المفاهيم التقليدية التي تم تجاوزها لدى الجيل الشاب بعضها قد يكون إيجابيا وبعضها الآخر سلبي...ـ

-----------------
-1-
سوزوكي شخص جاوز الستين كان يعمل كخبير معنا وهو شخص أبعد ما يكون عن كونه يابانياً فهو عاش جزأً كبيراً من حياته متنقلاً بين دول العالم.. شخص فريد جداً جمع في ذلك السن حيوية الشباب وحكمة الكبار...ـ
-2-
كان يجب على جميع الشوغون ترك زوجاتهم ليعيشوا في العاصمة كرهائن يتم قتلهم في حال تمرد الشوغون على الامبراطور..ـ
-3-
منذ فترة قصيرة كنت جالساً مع إحدى الفتيات اليابانيات وقادنا الحديث إلى عملها مع صينيين في الوظيفة ومحاولتها لتعلم اللغة الصينية... بادرتها بالسؤال عن الصينيين...ـ
أنا: لماذا تتعلمين الصينية ..؟؟
هي: لأنني أعتقد أنه في الفترة القادمة ستكون لغة مهمة لايجاد عمل...ـ
أنا: ولكنني أعرف أن جيل الآباء يكرهون الصينيين ...ما هو رأيك أنتي..؟؟
هي: بالنسبة لي لا مشكلة .. ولكن بالنسبة للأهل فهم يكرهوون الصينيين...ـ
أنا: لماذا..؟؟
هي: لأنهم فعلو أشياء سيئة جداً لليابانيين في الحرب العالمية الثانية... ولكن لا مشكلة فنحن نسامحهم ـ
هنا أيقنت أن التعتيم الإعلامي الياباني حول الموضوع قد أتى بالنتائج المرجوة... ولا داعي لمزيد من النقاش...ـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق