الصفحات

السبت، 30 يناير 2010

مسيرة فاشل

عندما ولدت... اتفق الأطباء أنه من المستحيل أن أعيش... وقال أحد أشهر الأطباء في دمشق يومها لوالدتي أن احتمال بقائي على قيد الحياة هو واحد من مليون...ـ

بعد تجاوزي للشهور الأولى... ثبت أنني سأعيش ولكنهم ظلوا خائفين من أنني سأكون فاقداً لجزء كبير من قدراتي... ولكني يوماً بعد يوم ... ومع بدأ خطواتي الأولى وتعلمي للنطق أثبت شيئاً فشيئاً خطأ افتراضاتهم... هكذا ربحت معركتي الأولى في الحياة... :) ـ

مرت المرحلة الأولى من الحياة دون تقييمات مباشرة... لكنها ما لبثت أنا عادت في المرحلة الثانوية من البعض ... وازدادت تحديداً في فترة البكلوريا... ـ

لن تذهب من بالي صورة استاذ الرياضيات وهو يصفني بالطالب الفاشل... قضى يومها نصف الحصة في الشرح كيف يمكن التعرف على الفاشلين أمثالي مباشرة... يومها قال أنني لن أستطيع النجاح في البكلوريا وطالبهم بتتبع أخباري ليكونوا شاهدين على مسيرة أمثالي وليذهلهم بقدرته على تنبؤ المستقبل فقد جزم بأنهم بعد خمس سنين سيلقونني متسكعاً في الطرقات أو جالساً على أحد الأرصفة... استمرت انتقاداته مما اضطرني في النهاية لتجنب حضور حصص الرياضيات نهائياً..(1)ـ

بعد البكلوريا.... أردت التقدم لمنحة لدراسة المرحلة الجامعية في الخارج... ولكنني عندما سألت أحد الأشخاص المقربين (ممن لهم كلمة محترمة في وسط العائلة كونهم يعتبرون دكاترة فهمانين) كنت سألته عن الدراسة خارجاً وعن وضع المنح في السفارات استبعد الموضوع نهائياً ولسان حاله يقول منح الدول الأجنبية تقدم للنوابغ فقط... أما أنت فدخولك الهندسة كافي وكتيير عليك...ـ
وكونني في ذلك الوقت لم أكن أعرف أحداً في سوريا نال منحة بعد البكلوريا ولأنني استصعبت السفر لدمشق يومها فقد ألغيت الموضوع...(2)ـ

في الجامعة... ومنذ السنة الأولى وحتى التخرج كانت تتسرب لي تقييمات بعض الدكاترة التي لم تكن أقل سوءاً من أيام البكلوريا... فبعضهم قال باستحالة نجاحي في السنة الأولى ... ثم ما لبثوا أن عادو وقالوا باستحالة تخرجي من الجامعة... و و و غيرها الكثير...ـ

عند حصولي على المنحة وبدئي بـ معاملة الاستقالة من الجامعة ... صارحني رئيس القسم الذي عملت عنده وهو يبتسم أنه لم يكن يعتقد أن لدي طموحاً أكثر من الجلوس خلف المكتب وقبض راتب آخر الشهر للعشرين سنة القادمة... ـ

ما كتبته اليوم هو اختصار لسلسلة طويلة من التقييمات الغبية التي ظلت تلازمني طوال حياتي... كنت دائماً أقابلها بالابتسام... رأيي الشخصي أنه لا يوجد جدوى من الكلام في مثل هذه الحالات... وأن الزمن هو الوحيد الكفيل بالرد الحقيقي...ـ

كونني أعتقد أنني لست الوحيد الذي يقابل بمثل هذه التقييمات المحبطة... لذلك أردت الكتابة لمن لايزالون في بداية الطريق... وأقول لهم آراء الآخرين حولكم لا معنى لها... مهما ارتفعت أو انخفضت منزلتهم في نظر الآخرين... ركزوا على أحلامكم واعملوا لأجلها... لا تخافوا من الأخطاء فمن لايعمل لا يخطئ ... وفي النهاية لن يصح إلا الصحيح... ـ


-----
هوامش : ـ
ـ(1) لسخرية القدر فبعد حصولي على المنحة وفي فترة تحضيراتي النهائية للسفر وفي مساء يوم شتوي، كنا ننتظر ضيوفاً فقد التقى أبي يومها بمجموعة من الأصدقاء الأعزاء قرب المنزل وكان معهم شخص غريب فدعاهم أبي مع صديقهم لتناول العشاء في تلك الليلة... صعقت عندما فتحت الباب والضيف نفسه أصابته الصدمة... جلس الأستاذ نفسه وبدأ التعارف...ـ

ـ الأستاذ: فلان الفلاني مدرس رياضيات في مدرسة...((.....)) ـ
ـ هنا خاطبني أبي : لا بد أنك تعرفه...ـ
ـ أنا: بالطبع أعرفه وكيف أنسى أساتذتي..ـ
ـ عندها تدخل أصدقاؤه : وقدموني المهندس سومر تخرج السنة الماضية وهو يحضر الآن لاكمال دراسته في اليابان...ـ
ـ الأستاذ: نعم سومر كان طالباً ذكياً من أفضل طلابي ...ـ
ـ أنا : صمت’ وتسربت ابتسامتي الساخرة وقلبي يقول يا لك من منافق....ـ
ـ* من الجيد أنه لم يجلس يومها أكثر من ربع ساعة قبل أن يغادر محتجاً بموعد مستجد
ـ* بصراحة لم أكن أتوقع أن أجلس بهذا الهدوء مع شخص حاول تدمير مستقبلي وأكرهه لهذه الدرجة... يبدو أن وجوده في بيتنا كضيف أحرجني ـ



ـ(2) الآن أعتقد أنني ارتكبت خطأً كبيرأ يومها...وربما أكون أهدرت فرصة...ـ
----------------------------------------------------------


فلم قصير رأيته ربما يختصر هذه التدوينة ... ربما لأنه جعلني أتذكر كل تلك الأحداث... عندما رأيته تسربت الابتسامة إلى شفتي...فأنا لست فاشلاً كفاية... ما زلت أتمنى لو كنت فاشلاً كهؤولاء

هناك 12 تعليقًا:

  1. نعم لدي تجربة مشابهة بعض الشيء.

    بالنسبة للهامش الثاني، لا أرى أي داعي للندم لأني أعتقد تماما أنه لا توجد فرص ضائعة ولا وقت ضائع ولا شيء ضائع في الحياة إلا ضياع الحس السليم، فإن ضاع عند أحدهم تكون تلك المصيبة.
    عزيزي، ما قد نعتبره أحيانا ضياعا في الماضي قد يكون ربحا للمستقبل المجهول. المسير للأمام دون توقف هو النجاة والتوقف والالتفات هو الضياع، تماما مثل الشخص الضائع.

    تحية

    ردحذف
  2. من أجمل ما قرأت
    روعة يا سومر

    ردحذف
  3. أهلاً صديقي...
    أوافقك في كل ما ذكرت.. وأعتقد أن آراءنا تكود متطابقة هنا...

    وإشارتي إلى الفرصة الضائعة... كونني استسلمت مبكراً.. بدون سبب حقيقي سوى رأي المذكورين..

    كان يجب أن أذهب.. بغض النظر نجحت أم لم أنجح...


    تقبل ودي

    ردحذف
  4. بصراحة اقشعر بدني وأنا عم أقراه، الله يوفقك يا رب، موضوع روعة، وبشكل أو بآخر كنت بحاجة إلو.

    ردحذف
  5. أهلاً علوش...ـ

    أسعدني مرورك..ـ

    ردحذف
  6. لدي وجهة نظر تتعلق بهؤلاء الذين عرقلوا مسيرك باتجاه طموحك، أرى لهم دوراً فيما أنت عليه الآن؛ عوائق حية..
    عند وصولنا لقمة ما، علينا أن نشكر كل الحجارة التي أدمت أجسادنا فلولاها لما شعرنا بنشوة نصر، وبقيمة ما نحن فيه.
    نص ملهم ومدونة أسعدني المرور بها.

    ردحذف
  7. uramium...
    أتفق معك تماماً..
    أعتقد أن علي أن أشكرهم جميعاً...

    أهلا بك دوماً

    ردحذف
  8. لقد ألهمتني هذه الكلمات الكثير لاثق بتلك القدرة الموجودة فينا ~

    لكن الخروج من دائرة تاثير المحبطين والمدمرين ليس بالامر السهل لاسيما ان كانوا من الشخصيات المؤثرة تاثيرا مباشرا كالاساتذة و الاهل والاقارب ربما و للاصدقاء دور كبير في ذلك ...

    يعود ذلك لتاثير الجهل المستبد بالناس ~ و احيانا يكون نائا عن غيرة و - ضيقة عين- .. !!

    اعجبتني سخريتك من التنبؤات المتشائمة ~
    فلتبق قويا دائما :)

    شكرا لك
    وتقبل مروري

    ردحذف
  9. أخت لبنى...أهلا بك...
    شخصياً أعتقد أنه لا حدود لقدرة الأشخاص... والتاريخ يعطي الكثير من الأمثلة...

    عن الأشخاص المدمرين.. من تجربتي الشخصية... باستثناء تجربتي الفريدة مع الأستاذ.. لاأعتقد أن الباقين أطلقوا تقييماتهم بقصد الأذى وإنما هي انعكاس لم يعتقدونه.. وهي بشكل عام ليست حالات فردية وإنما ثقافة مجتمع ((الجميع فاشلون حتى يثبت العكس..))...ـ

    شكراً على كلماتك الجميلة..ـ
    أهلاً بك دوماً..ـ

    ردحذف
  10. احسدك جدا جدا
    قدمت على منحة السنة الماضية
    شيء بحاجة لأله لأبعد الحدود
    بعزي حالي بأنه قد يكون يلي اخدها بحاجة الها اكتر
    ما بعرف
    يلي حارقني انه انحطيت بموقف بسبب خطأ السركرتيرة المشرفة عالطلبات و كانت ردة فعلي غير حضارية او ما بعرف
    و يلي ما بعرفه بفكر كل يوم انه هي ردة فعلي يلي سببت هالخسارة او لآ
    خسرانها رجعني لحالة انعدام الثقة و التوازن
    عالملتلي حالة هستيريا من التفكير اليومي فيها
    مع انه صرلها سنة كأنها امبارحة
    و كل يوم بلوم حالي
    و بسب عالسكرتيرة
    رجع نزل الاعلان و بفتحه كل يوم و بطلع عليه كأنه حلم و ماسكة حالي من التقديم لني نفسيا مو قادرة ارجع انضغط
    غير انه غيروا كل الشروط وما عدت مناسبة الها
    مالك بهالحكي كله
    بس هيك قلت فشة خلق
    سلام

    ردحذف
  11. قريت هالتعليق كذا مرّة لأعرف شو بدي رد... ما عرفت...ـ
    ذكرتيني بالسكرتيرات... كمان لما رحت وقدمت لأول إعلان وشفت الورقة بسيطة سطلتني أنو معقول مابدهون غير الاسم والمعدل.. وشوية حكي فاضي.. المهم عبيت الورقة وأنا مذهول.. فلما قلتلو للسكرتير أنو بلاه شفلي ياها هيك بس... قام قلي معقول ورقة بالانكليزي ما عم تعرف تعبيها وين جايي تقدم عالمنحة... وقتها قلت بيني وبين حالي والله معو حق وين جاي بين هالعباقرة....ـ

    بس باختصار مشان تبطلي تفكير.. السكرتيرات ما إلهون علاقة لا من قريب ولا من بعيد ولا بييتدخلو بالنتائج....ـ إلا إذا صار شي كبير جداً يعني صار فيه صريخ.. وسمعت فيه السفارة... ـ

    هلق المهم إذا وصلتي للمقابلة المرة الماضية وما مشي الحال فنصيحتي ارجعي قدمي هالسنة وأملك كبير...ـ

    مع خالص الود

    بصراحةرغم أنو بدون اسم ولكن انبسطت بتعليقك
    يعني حسيت بوحدة الآمال والآلام...

    ردحذف