الصفحات

الخميس، 10 سبتمبر 2009

...ما قبل الإنقراض


كل يوم أعود مساءً... أحضر وجبة خفيفة وأجلس لتناول وجبتي الالكترونية... يبدأ إبحاري من الجزيرة... لينتهي ببعض العناوين التي تناولتها المدونات... وأعيد التأكد للمرة المليون أنه لا أمل... أكتب شيئاً ما ... أضغط زر الإلغاء وأذهب لأنام...

هنا سيهاجم الكثيرون نظرتي السوداوية للأمور... وقد يفسرونها باحباطات معينة... ولكنني للأسف مقتنع جدياً -رغم رغبتي بالنكران- بأقوال أدونيس ((نحن شعوب انقرضنا بالمعنى الحضاري... )) قد أختلف معه في أننا لم ننقرض بعد وإنما نحن نسير بخطى ثابتة وواثقة نحو هذه النتيجة الحتمية... وأعتقد أن النفط هو السبب الوحيد الذي يؤخر انقراضنا...
عندما أفكر بوضع الأمة العربية الآن تقترب من مخيلتي صورة الدولة العباسية ، سقطت تلك الامبراطورية سقوطاً مدوياً... لماذا يا ترى..؟؟ ... يبدو أن تاريخ الأمم لا يشفع لها... فبقاؤها مرتبط بنتاجها الحاضر فقط... ويعود السؤال مرة أخرى لماذا ظلت الصين امبراطورية عظيمة منذ آلاف السنين وحتى اليوم....؟؟... هذه الأسئلة تراودني في إطار بحثي الداخلي عن ماهية وضع الأمة العربية...

بلادنا العربية حقيقة تعيش حالة من التخلف والأسوء من ذلك ((حالة من التراجع)) الفكري... حيث نجد المجتمعات العربية بغالبيتها ((وأخص بالذكر قادتها أيضاً)) مقولبة ضمن إطارات فكرية معينة تعود مرات ومرات لتجتر الثقافة الفكرية نفسها... وهذا من الأسباب الأساسية التي تمنع الأمة العربية من التقدم... حيث نجد أن جميع الأمم الحاضرة والتي أثبتت نفسها في مقدمة السلم... هي أمم حيوية نراها في طور التفاعل والتغير الدائم... حيث ما أن تتعرض لهزة معينة حتى تتخلى عن النظريات التي كانت تظنها غير قابلة للنقاش وتجرب نظريات أخرى أقرب للواقع والظروف المحيطة... هذا لا يعني أن الأهداف التي وضعتها غير صحيحة ولكن الطريق الذي رسم أثبت فشله ((والدليل حدوث الهزة)) ولا بد من تعديله... هنا أجد أمثلة كثيرة ولكن أهمها هو الاتحاد السوفييتي... الذي التزم النظرية الشيوعية والتي رفعت روسيا من دولة فقيرة إلى القوة الثانية في العالم... في نقطة معينة بدأت الأخطاء تحرف النظرية عن مسارها... وتجمعت الأخطاء لتؤدي في النهاية لانهيار الامبراطورية وتحولها لدولة مثقلة بالديون والمشاكل الداخلية... ولكنها تحلت بالكثير من الشجاعة لتتخلى عن الشيوعية وتتحول لتبني نظرية الأعداء... خلال عشر سنين نفضت روسيا غبار النكسة وبدأت تستعيد دورها من جديد... ولكن في الكوكب الآخرحتى الآن رغم الأحداث المثيرة التي حدثت وأهمها في الشرق الأوسط وتغير العالم عدة مرات مانزال نجد الأمة العربية ساكنة بلا حراك...

قرأت في زاوية شغب موقع الجمل ما يلي :
((يتغير العالم أولاً داخل رؤوس الناس قبل أن يتغير في الواقع، وما نعيشه اليوم من تطور بدأ داخل رؤوس الأنبياء والفلاسفة والعلماء قبل أن يتحقق على أرض الواقع، وكل تحسن ملموس أو سوء محسوس خرج أولاً من داخل الرؤوس.. وما نحن فيه اليوم هو ما كانت تفكر حكوماتنا به بالأمس، لذلك نلاحظ سوء أحوالنا مقابل تحسن أحوال أولادهم وأحفادهم..))

ولكي نعرف مستقبلنا يجب أن ننظر داخل رؤوسنا أولاً...

تعليقات عالهامش :
- أنا من متابعي حلقات ((خواطر من اليابان)) ورغم كون البرنامج يعتبر من البرامج الخفيفة ولكنني أجده رائعاً كونه يعطي مقارنات حول كيفية انعكاس الثقافة على تعامل الإنسان مع أمور الحياة المختلفة...

- قرأت في إحدى المدونات نصيحة تقوول أنه يجب أن يقوم المدون بتغيير طريقة كتابته أو الامتناع عن الكتابة في مواضيع معينة حتى لا يخسر قرّاءه أو بعضاً منهم... لذلك أنا أعتذر مقدماً من قراء مدونتي في حال أزعجكم بعض ما كتبته سابقاً أوما سأكتبه لاحقاً كونني لم أكتب لأجاملكم وأخدع نفسي... وأرجو بأن تتقبلوا ما تقرؤه هنا على أنها أفكار قد تخطىء وقد تصيب... وفي الحالتين فهي قابلة للنقاش...

- طبعاً بالرجوع إلى أن خلفية الإنسان الثقافية هي التي تحكم تصرفاته وأفكاره... فأنا بالطبع كغيري أحاول أن أستطلع صفات الآخرين من خلال كتاباتهم وأفعالهم... عند تصفحي مدونة أخرى وجدت أنها قامت بإلغاء روابط جميع المعلقين على المواضيع...
أي أنه عند رغبتي بتتبع مدونة المعلق على أحد المواضيع كان الرابط يعود بي إلى مدونة الموضوع نفسها... بصراحة لم أستطع الخروج بتفسير منطقي ولا استطلاع الخلفية الفكرية لذلك التصرف....

أما اليوم فأعتقد أنني سأضغط زر النشر وأذهب لأنام..
تصبحون على خير

هناك 6 تعليقات:

  1. تحياتي .. لا أعتقد أننا منقرضين حضاريا أو على طريق الإنقراض، بل نحن نراوح بين السبات والنكوص الحضاري.

    وبكل الحالات الوصول إلى الحضيض مرحلة سيتبعها نهوض بغض النظر عما تستهلكه من زمن.

    واتفق معك حول التغيير الذي يبدأ من العقول ومن الداخل.

    بالنسبة لنصائح التدوين تبقى نصائح تعبر عن وجهة نظر غير ملزمة.

    أما إلغاء الروابط في مدونة أخرى، فالأمر ليس كذلك بل هي إضافة مهمتها إدراج التعليقات في محركات البحث وتنبيه المحركات لمحتوى التعليقات، وأحد ميزاتها أو سيئتها جعل الروابط تشير للمدونة نفسها تلقائيا.

    بالمناسبة كانت قيد التجربة لا أكثر.

    تحياتي لك، وننتظر مجموعة تدوينات نتعرف من خلالها على اليابان كونك تسكنها.

    ردحذف
  2. تحياتي لك على المقال العقلاني
    أتفق مع مجمل ما جاء فيه وأزيد على فكرة " الانقراض الحضاري " الذي نعاني منه

    على سبيل المثال لا الحصر
    لغتنا العربية لم تعرف فعلا جديدا منذ مئات السنين
    الأمر الذي يدل على قولبتها وجمودها فبحسب المبدأ ( العضلة التي لا تعمل .. تضمر ) نستطيع اكتشاف مجموعة الأفعال التي تقولبنا ( تضعنا في قالب ) وتحد مننا وتدفعنا إلى الخمول وعدم العمل وبالتالي الضمور



    في آخر جلسة ودية سوداية ناقدة وغير هادفة خضتها مع زملائي في البطالة مستقبلا وفي الدراسة الجامعية حاليا

    وصلنا إلى نتيجة فحواها يقول أننا تسرعنا كثيرا قبل التبرأ من البادية والمواشي
    قد نكون من سكان المنازل والعمارات المرتفعة
    لكن فكررنا لم يتطور بعد عن مفهوم أهل البادية لتداول السلطة وأبعاد الحرية ومفهوم العلم والثقافة وما إلى ذلك من مفاهيم انتقلت في بعض بقاع العالم إلى حيز البديهيات ولازلنا نتحدث عنها وكأنها أساطير يونانية أو ما إلى هنالك

    هل تعلم ما هو مفهوم الانتخابات وعلى اي اساس ستحدد الناخب الذي ستصوت له ؟
    سمعت مرة عنه لكنني قطعا لا أعرفه

    قد لا نكون في طريقنا إلى الانقراض .. لأننا لم نولد بعد

    وعذرا على الإطالة ، لكن كلماتك واسلوب عرضك الغني بالافكار يصعب المرور من أمامه دون ترك تعليق طويل عريض

    تحياتي لك

    ردحذف
  3. صديقي عبدالسلام سعدت بمرورك...
    أعتقد أنه حتى في أحسن الأحوال فإن السبات سيؤدي حتماً إلى الإنقراض كون الآخرين يتقدمون بسرعة كبيرة ومتسارعة فسباتنا وحتى تقدمنا بسرعة بطيئة سيزيد الهوة الحضارية ويزيد من اعتمادنا على الآخرين في معيشتنا...

    - بالمناسبة ما أعنيه هو انقراض بالمعنى الحضاري المعنوي وليس المادي.. (أي مثلما انقرضت الحضارات العظيمة الأخرى كالأوغاريتيةوالبابيليةوالسومرية... في تلك الفترة ظل البشر موجودين ولكن ذابوا في حضارات أخرى تلقفتهم...)

    ومقولة أن الحضارات تندثر ثم تحيا من جديد أي بمعنى سيأتي دورنا يوماً ما لنحكم العالم مرة ثانية.. (هذه المقولة تحتاج إلى كثير من الفحص لسببين..)

    الأول أن الحضارات فعلاً قد تحمل كبوات وكل الحضارت من الصينية حتى الرومانية كانت امبراطوريات عظيمة ضعفت في فترة ما ومن ثم عادت من كبوتها إلى سابق عهدها..
    ولكن إذا نظرنا للحضارة العربية فمنذ آلاف السنين والعرب منقسمون على شكل دويلات وحتى قبائل.. صعدوا فترة من الزمن ثم ما لبثوا أن عادوا إلى سابق عهدهم..

    الشيء الثاني هو أنه هناك الكثير من الأمثلة على حضارات اندثرت إلى الأبد..( مثل حضارات أمريكا الجنوبية "المايا مثلاً") وكان سبب اندثارها هو الفجوة الكبيرة بينها وبين الحضارات التي غزتها مما اضطرها للاندثار والذوبان فيها...

    وهنا أتت فكرتي ((أن تاريخ الأمم المجيد لا يشفع لها.. ... فبقاؤها مرتبط بنتاجها الحاضر فقط...)) ويمكنك أن تلاحظ كيف خسرت الإمبراطورية الأمريكية الكثير من نقاط قوتها لصالح غرماء آخرين بعد الأزمة المالية...
    أي في هذا العالم البقاء للأقوى فقط... وبقاؤنا مرتبط بنا أكثر ماهو مرتبط بعجلة التاريخ التي ستعيدنا نحو الأعلى...

    بالنسبة لنصائح التدوين هي كما قلت أنت وجهة نظر وقد يتفق معها آخرون... ولكنني شخصياً لم أتفق معها...

    أما عن إلغاء الروابط فأنا فقط استغربت الموضوع لا أكثر.. على أي حال شكراً على التوضيح...

    وعن اليابان فأعدك قريباً بكتابتي عن الموضوع...

    مع خالص الود..

    ردحذف
  4. صديقي غابرييل...سعيد باتفاقنا على مجمل النقاط..

    مثال اللغة العربية مثال صحيح...ووضع اللغة العربية الآن ناتج عن سببين الأول هو التخلف الحضاري فأي فحضارة الأمة وتقدمها هو ما يساعد اللغة على أن تفرض مصطلحاتها الجديدة على الآخرين.. وعلى الأمم الأخرى حفظ هذه المصطلحات بلغتها الأصلية لتبقى على تواصل مع جديد تلك العلوم..
    النقطة الثانية أنه باستثناء سوريا فإن الدول العربية غير مهتمة بتعريب ما يستجد من مصطلحات ولا تدريسها في جامعاتها... ((مرة كنت اتحدث مع صديق فلسطيني عن موضوع بحثي... ففوجئت بأنه لم يعرف الكثير من المصطلحات العربية. فهو لم يسمع مثلاً بمصطلح "خوارزمية" وفهمها فقط عندما أعطيته المقابل الإنكليزي "ألغوريزم"... طبعاً هو فعلاً لم يسمع بكلمة خوارزمية من قبل..))

    وأنا معك تماماً في فكرة تسرعنا في التخلي عن البداوة.. كوننا اشترينا ماديات الحضارة التي غيرت ظاهرنا.. ولكننا فكرياً مازلنا بعيدين عنها... وأما عن البديهيات ففيه حديث طويل...وسأكتب عنه لاحقاً...

    شكراً على كلماتك الجميلة في النهاية...كما أشكرك أكثر على تعليقك.. بالمناسبة أعتقد أنك لن تستطيع منافستي في أطوال التعليقات والردود..رغم محاولتي الدائمة للاختصار دون جدوى...

    مع خالص الود

    ردحذف
  5. نحن بالفعل انقرضنا حضاريا، أو لنقل نسعى بخطى حثيثة نحوه.. عشت فترة في المملكة المتحدة، وعايشت صدمات عنيفة من الوعي الحضاري الذي وصلت له تلك الشعوب كوني كنت أقارن ما أراه أو أسمعه ببلداننا ومجتمعاتنا.

    لازالت أشلاء مشاريع النهضة تلوح بمخيلتي كلما دب فيني الحماس لفعل شيء ايجابي للأمة.. تخلفنا جعلنا نقضي بشراسة وصرامة على كل فكر تنويري متهمين اياه بالدخيل على حضارتنا (التي ما عادت الا أحافير حضارة اندثرت وأوغلت في القدم)..

    تحية لقلمك الراقي..
    وائل

    ردحذف
  6. ((تخلفنا جعلنا نقضي بشراسة وصرامة على كل فكر تنويري متهمين اياه بالدخيل على حضارتنا))

    آهٍ..كم أوافقك ياصديقي...

    ردحذف